من طرف الحرب الاهليه في لبنان وخروج المنظمه في شتات جديد
أشرنا سابقا الى أجواء إندلاع الحرب الأهلية في الحديث عن نظام الأسد في سوريا،وكيف انه كان منوطا به الجزء الأهم من مسرحية لبنان الواضحة الهدف ،وهي الكيد للمنظمة الفلسطينية المارقة، والخارجة عن عرف القيادات العربية، وإخماد جذوة تمثلها هذه المنظمة تُشعل فكر ومشاعر الكثير من الشباب العرب، بل وفي العالم الساعي الى محاربة الامبريالية والإستغلال، وحتى في البلاد العربية الأكثر ثراء بل وفي بعض الأسر الحاكمة في الدول العربية، هناك من تأثر بهذه المنظمة وشعارها وناصرها وتدرب معها ،هذا التوجه يجب ان ينتهي ولن ينتهي اذا ما هوجمت المنظمة وقُمعت، بل يزداد إشتعالا ،فلا بد من جرها لتكون جزء من واقع يرفضه الشارع العربي ،وهو واقع الإستسلام والمهانة، واقع التبعية والتنفيذ ،وهذا يكون بعدة امور
اولها :ابعاد المنظمة عن نقاط الإحتكاك مع العدو ،حماية للعدو اولا وتقليل أثر وجودها أصلا ثانيا.
وثانيها: الضغط على المنظمة ماليا ونفسيا.
والثالث : تصفية جسدية لأقطاب هذه المنظمة وأركان قوتها.
كما ذكرنا اصبحت القوى في لبنان موزعة ومعدة على الشكل التالي في اواسط عام 1976
الجيش السوري ويشكل القوة الأكبر تقريبا.
الحركة الوطنية اللبنانية متحدة مع المنظمة الفلسطينية ،وتسيطر على الجزء الأكبر من لبنان.
الجبهة اللبنانية موارنة بقيادة كميل شمعون ومدعومة من سوريا.
القوات اللبنانية موارنة بقيادة بشير الجميل والمدعوم من اسرائيل وسوريا.
تفاصيل هذه الحرب مقرفة، ومختصرها انها كانت مسرحية معدة في تل ابيب وليس لها الا هدف وحيد هو: جعل الحياة في لبنان لا تُطاق ،وتحميل وزر ذلك للفلسطينين ،كي يصبح خروجهم من لبنان مطلبا شرعيا وجماهيري لبناني ايضا.
ذكرنا ان اليهود قاموا بدخول الجنوب اللبناني عام 1978 ،وبعد وساطات دولية تنسحب وتبقي على شريط حدودي على طول الحدود،في هذه الاثناء يستمر شحن الأسلحة من اسرائيل الى الموارنة في لبنان، ويلتقي بير الجميل سرا بالقادة اليهود، وقد اعلن حزب الكتائب ان الهدف اخراج الفلسطينيين من لبنان.
تبدأ اشتباكات في بيروت بين فئة وفئة، تتغير التحالفات والتجاذبات ،فاليوم ترى أمل مع الكتائب، وغدا تراها مع الدروز ،أوراق مخلوطة.. زعامات مرتزقه... هذا يدفع له السعوديون ...وهذا يدفع له العراق... وهذا يدفع له اليهود ...وآخر تدفع له إيران.. وكل يُنفذ أوامر من يدفع له ويتحرك كأنه حجر شطرنج.
كان الدور الأقذر هو الدور السعودي والسوري ،والأخطر كان الدور الإيراني، اذ وجد الخمينيون اخيرا فرصتهم لتصدير الثورة، وفي نفس الأثناء تبدأ اسرائيل باجتياح لبنان، وبالفعل يُعلن الخميني وأتباعه لرافضة لبنان ان من ينضم لحزب الله المنشق عن أمل ،يُدفع له راتب شهري بقيمة 400 دولار للرجل، و250 دولار للمرأة ،وكأن الأمر أُعد لما بعد إسقاط المنظمة بإنشاء البديل اللذي يستقطب الناس بإسم المقاومة والثورة، ولكن يحرفهم في ذات الوقت عن عقيدة أهل السنة ،وهذا أعظم مطلب لأعوان إبليس من يهود ورافضة، وهو ان يبتعد الناس عن مصدر قوتهم وهو عقيدتهم ، هذا كان الدور الإيراني المستمر حتى اليوم ، اما عن الدور السوري القذر فكانت هي اليد التي ضربت بها اسرائيل المخيمات بحجة انحيازها لبعض التنظيمات الفلسطينية الغبية التي كانت تسير في ركابها، فقصفت تل الزعتر، واتفقت مع أمل على حرب قذرة، عُرفت فيما بعد بحرب المخيمات، اذا كانت سوريا هي أداة اسرائيل في ضرب الفلسطينيين في المخيمات، ولا أدري ما هي مصلحة سوريا في ذلك الا إنها تُنفذ أوامر اسرائيل، أما الدور السعودي القذر ،فكان لا يقل خطورة عن الدور الإيراني من حيث خدمة الأهداف المستقبلية، فوصل بها الأمر ان تدعم الموارنة حلفاء اسرائيل بحجة انهم ضد الرافضة، وفي هذا تلميع للرافضة من حيث تدري السعودية، ولا اقول من حيث لا تدري، لأنها ما انفكت تقوم بهذا الدور حتى اليوم ،وتصور نفسها على انها أهل السنة، حتى وصل الحال في لبنان اليوم الى ان اهل السنة عملاء أمريكا ومن خلفها اسرائيل، بينما الرافضة هم أبطال التحرير.
ومن هنا تدخل بدايات الإنحراف اما بإعتناق الفكر الرافضي، او على الأقل بالإبتعاد عن فكر أهل السنة قادحين فيه، لأن ممثليه هم عملاء أمريكا وإسرائيل، فهل هناك عون لإبليس أكبر من هذا..؟
هكذا كان لبنان ساحة لرسم المستقبل في المنطقة كلها ،وإتمام لمشروع الثورة الخمينية، وتكملة لإسقاط انظمة الشرف ،ومباديء التحرير والوحدة والتمسك بلاءات الخرطوم .
اذا تم رسم الخارطة على أرض الواقع ،ولم يبق الا ان يُنفذ الجزء الأخير ،وهو اخراج المنظمة، ومن ثم الإعداد للأهداف المستقبلية، وكان هذا الجزء من نصيب اليهود، فقاموا بإجتياح لبنان عام 82 ،ووصلت قواتهم الى بيروت ،ولا ادري اين كان الجيش سوري وقتها..؟ ولا اين كانت القوات العربية والدول العربية لو كانوا فعلا يرفضون ذلك.
والتقت القوات الغازية بالقوات الأكثر عمالة حزب الكتائب في بيروت، وراحو يعملون معا حتى ان حارس شارون كان هو مرافق ايلي حبيقه الهالك ،واللذي كان احد أهم رجال سوريا في المرحلة التالية، فيا للعجب كيف تقرب سوريا عميلا اسرائيليا ان كانت فعلا دولة ممانعة وليست خادمة مطيعه للأسياد في تل ابيب ..!,, وصل جيش اليهود بيروت وحاصر قوات المنظمة فيها لمدة ثمانين يوما، وما كان دور سوريا الا ان سدت المنافذ كي لا يصل الدعم والمدد من المتطوعين ،والمواد الطبيه الى المحاصرين في بيروت، بل زجت هي والأردن بالشباب القادمين للتطوع والمشاركة في الدفاع عن بيروت في السجون بالمئات ،وليت الأمر وقف عند ذلك ،بل انطلقت الدعوات من العواصم العربية تنادي الفلسطينين ان يستسلموا ويرحلوا رحمة في اللبنانيين، فإنكم ايها الفلسطينيين السبب في هذه الحرب ،وهذا القتل اليهودي للبنانيين.
هذه كانت نصرة القادة العظماء للبنان وأهله، بأن تطلب من المدافعين عنه، الإستسلام بدل نصرتهم ،ويقف الجيش السوري متفرجا على هذا المشهد، بل ويساهم فيه بإحكام الحصار ،والقصف على المخيمات....
اريد ان يقرأ هذه الأحداث عاقل ،ويجد لي مبررا واحدا لنفي ان هذه الحرب كانت عربية بيد اسرائيلية على المنظمه ..، المهم بعد الثبات الأسطوري لمدة ثمانين يوما للقوات الفلسطينية في بيروت ،أُجبرت المنظمة تحت الضغط العربي والدولي وتحت القصف العنيف، على ان توافق على الخروج الى تونس ،وبعد صمودها استطاعت ان تخرج بسلاحها ورفضت ان ترفع العلم الأمريكي على السفن الحاملة للمقاتلين الى تونس .
بعد خروج آخر الأبطال ،دخل اليهود بيروت بأعين عربية، وحماية سورية بشكل خاص، وترحيب ماروني ،وهكذا أُبعدت المنظمة عن خطوط التماس مع العدو لأول مره منذ عام 1965 ،وبدأ نجاح اعدائها بتقليل دورها وتحويلها الى نظام عربي فاشل، اسوة بالأنظمه الأخرى.
وهكذا حقق اليهود وعملائهم من الحكام العرب، الخطوة الأولى على طريق اسقاط المنظمة، وهي ابعادها عن خط التماس كما اشرنا، اما عن الخطوتين على طريق اسقاط المنظمة ، وهي الضغط المالي والتصفية الجسدية للقادة ، فسنأتي عليها لاحقا في هذا الباب .
نعود الى مصر من لبنان ،لنتناول في لبنان ومصر حدثين مهمين فيهما شيء من رد فعل الكرامة العربية المجروحة من أفعال العملاء ،وهما حدثي اغتيال بشير الجميل وانور السادات ،زعيمي مصر ولبنان اللذين تجرءا على التعامل مع اليهود علنا ،والحاقهما بالخائن الأول عبدالله ابن الحسين ابن علي ابن عون .
